زلة لسان

زلة لسان

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

نعرف من علماء النفس أن زلات اللسان ليست دائماً زلات لسان ، وأنها في وجه من وجوهها تعبر عن شيء حقيقي داخل أصحابها .

ولا يزال الرئيس الأمريكي جو بايدن أكثر الرؤساء المعاصرين وقوعاً في زلات اللسان، ولا يزال الذين يتابعون ذلك على لسانه يعودون بزلات لسانه إلى تقدمه في العمر، ولا يعودون بها إلى شيء آخر.. وهذا بالطبع قد يكون صحيحاً وقد يكون غير صحيح، مع إنه لم يتقدم في السن إلى هذا الحد، لأنه بالكاد تجاوز الثمانين بسنة واحدة، ولأنه عندما ينطلق سباق الرئاسة الأمريكية بحضوره في نوفمبر بعد القادم سيكون في الثانية والثمانين.

وكانت آخر زلات لسانه عندما قال قبل أيام إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خسر الحرب في العراق !

ولا بد أن الذين طالعوا هذا التصريح له للمرة الأولى، قد التبس عليهم الأمر ، وقد راحوا يقرأون التصريح من جديد ليعرفوا أي عراق بالضبط ذلك الذي خسر فيه بوتين الحرب، ولكنهم سرعان ما أدركوا أن بايدن يقصد أوكرانيا، وأن كلمة العراق لسبب ما، كانت هي التي جرى بها لسانه بدلاً من أوكرانيا !

وكان بن والاس، وزير الدفاع البريطاني، هو آخر المسئولين الأوربيين الذين وقعوا في زلة لسان من هذا النوع، أو ما يشبه زلة اللسان على الأقل، وكان ذلك عندما قال إن بلاده ليست متجر أمازون بالنسبة للرئيس الأوكراني زيلينسكي !

وبمجرد أن صدر هذا عنه أثار الكثير من الجدل ولا يزال، وكان السبب أن كثيرين في أوكرانيا وفي خارجها قد وجدوا في العبارة ما قد يشير إلى أن بريطانيا بدأت تضج من كثرة ما تعطيه لأوكرانيا من سلاح ومن مساعدات.

وقد سارع ريشي سوناك، رئيس الحكومة البريطانية، ينفي هذا الظن عن حكومته، فقال إن الوزير والاس لا يقصد المعنى السيء في العبارة، وأن زيلينسكي قد أظهر له الكثير من الامتنان في الكثير من المناسبات، اعترافاً بفضل لندن عليه منذ بدء الحرب.

ولكن هذا لا ينفي شيئين اثنين، أولهما أن بريطانيا خصوصاً، وأوربا عموماً، قد بدأت بالفعل تضج بينها وبين نفسها من كثرة ما حصلت عليه أوكرانيا منها، والشيء الثاني أن الرئيس الأوكراني نفسه كان في قمة قادة حلف شمال الأطلنطي التي انعقدت مؤخراً في ليتوانيا قد أظهر بعض الامتعاض، لأن القمة لم تقرر القبول ببلاده عضواً في الحلف.

وفي إطار وضع كهذا، تظل زلات اللسان هي الأكثر تعبيراً عما يجده كل طرف في نفسه، ثم لا يعرف كيف يقوله في العلن أمام الناس؟

ولا فارق بالطبع بين زلات اللسان على مستوى هؤلاء الساسة، وبينها على مستوى آحاد الناس، ففي الحالتين هي شيء واحد، وفي الحالتين هي تعبير عن شيء مخبوء في أعماق النفس ، وفي الحالتين هي انتصار للباطن على الظاهر .